صفحات تائهة

Sunday, September 25, 2005

البعد الرابع .. !!


عندما يسأل أحدهم مجموعة أشخاص .. ما هو الأرزيز ! فمن الصعب أن تجد تصوراً محدداً له. فقد يربط شخص ما الأرزيز بشجر الأرز ليقول لك أنه شجرة عملاقة عظيمة الأوراق ساقها الى أسفل وجذورها إلى الأعلى! وقد يربط آخر الأرزيز بالزيز الذي هو حشرة خضراء اللون تكثر في المروج الربيعية .. ليقول لك أن الأرزيز هو زيز عملاق أصفر بتسعين قدماً و عين واحدة !! وقد يقول واحد لا أعرف هذا الأرزيز. الأجوبة كلها مبهمة لا تعطي جواباً شافياً ويغلب عليها الخيال أو الافتراض.

تتحدث نظرية الاوتار Superstrings Theory (وهي أخطر نظرية في الفيزياء المعاصرة) عن وجود 12 بُعد على الاقل في الطبيعة !!

لكي نفهم و نتخيل ما هو البعد الرابع يجب أن نستوعب بُعدياً أقل سعة يمثلها البعد الثالث أو الثاني.

دعنا نبدأ من البداية و لنتخيل بيئة لا بعدية أي كل شيء منطبق على نقطة واحدة وحيدة تمثل كل شيء. حقيقة كآية ما بعدها كآبة أن يتحول كل شيء إلى مجرد نقطة بلا أبعاد أو حركة! و لكن لنحاول أن نتوسع قليلاً ونعطي مجالاً حركياً جديداً لهذه النقطة.

تعال نمثل النقطة السابقة بعلامة من رأس القلم الرصاص المدبب على الورقة. تمثل هذه النقطة البيئة اللا بعدية. الآن لنضع قلم الرصاص المدبب في مكان النقطة ولنحركه قليلاً إلى اليمين. سيرتسم لدينا خط مستقيم نشأ من أثر حركة النقطة. لنتخيل الآن الحياة في هذة البيئة وحيدة البعد!

ستكون كل الكائنات عبارة عن قطع مستقيمة منبطحة على هذا المستقيم. ولن يكون بمقدور هذه القطع الحركة إلا إلى اليمين أو اليسار. و حتى هذه الحركة محدودة جداً! فلا يمكن تجاوز العنصر الذي على اليمين و لا يمكن القفز فوق العنصر الذي على اليسار. و عليك ككائن في مثل هذه البيئة أن تنتظر زميلك ليتحرك أو قد تضطر لدفعه إلى الأمام و هو سلوك غير لطيف لا يليق بكائن ثلاثي البعد فكيف بواحد ذو بعد واحد !!

رغم أن كل الكائنات في ذلك البعد هي مستقيمات أو قطع صغيرة مستقيمة فإن كل كائن سيرى نقطة واحدة من الكائن الذي إلى جواره لعدم تمكنه من "النظر" أو الحركة إلى الأعلى فمفهوم الأعلى أو الأسفل غير موجود في عالم وحيد البعد.

الآن إلى مزيد من الحرية. وبعودة إلى المستقيم السابق سنحاول تحريكه إلى الأعلى قليلاً مع ترك الأثر الذي تتركة كل نقطة من نقاطة ظاهراً. سيكون الناتج كما توقعت مستوى. تبدو الحركة في بيئة المستوى أكثر قبولاً. فهنا يمكن للكائن أن يتحرك يميناً أو يساراً وفي حالة صادفه عائق ببساطة سيتحرك إلى الأعلى ثم يتجاوزه إلى المكان الذي يريده.

وهنا في هذه البيئة لا يمكن أن نرى إلا المستقيمات فإذا صادفت مربع مثلاً سترى جانب واحد منه ولاستكشافه سنضطر إلى الدوران حوله دورة كاملة لنتمكن من رؤية كل جوانبه. ولكن ما زال هناك مشكلة. لنتخيل وجود مربع ورسم بداخله أحد أقطاره. لا يمكن لكائن ذو بعد ثنائي أن يشاهد ماذا يوجد في داخل المربع والحل الوحيد هو فتح ثغرة في جدار المربع والدخول إلى الداخل عندها فقط يمكنك أن تتمتع برؤية قطر المربع!

في هذه النقطة بالذات ستحسد الأشخاص الذين يعيشون في وسط ثلاثي لأنهم غير مجبرين على فتح ثغرة في جدار المربع لرؤية ما بداخلة لأنه واضح ظاهر بما يمتلكون من حرية يتيحها البعد الثالث. ولنتخيل وجود شخصين من جماعة ثنائي البعد محشورين داخل دائرة والدائرة هي أيضاص كائن ذو بعد ثنائي.الآن ماذا لو رسمنا خطاً مستقيماً يفصل ما بين الكائنين؟ عندها لن يستطيع أي كائن منهما رؤية الآخر لوجود عازل طبيعي هو المستقيم. ولن يستطيع أي منهما القفز فوق المستقيم الفاصل لعدم وجود البعد الثالث الذي يتيح هذه الامكانية وسيقضي الكائنان بقية عمرهما كذلك ما لم نمح جزءاً من هذا المستقيم.

الآن سنعطي البيئة بعداً جديداً ليصبح ثلاثياً. كيف ؟؟؟ نحرك المستو السابق بكامل نقاطه إلى الأعلى ... ما هو الشكل الهندسي الناتج عن مثل هذه الحركة ؟؟ مكعب بستة أسطح وثمانية رؤؤس واثنا عشر خطاً. لا داع للتوسع في وصف هذا الوسط لأنه الوسط الذي نعيش فيه! وهنا نستطيع بسهولة تخطي المستقيم الذي يعزل بين كائنين في دائرة باستعمال البعد الثالث "إلى الأعلى" ويمكن ببساطة مجرد القاء نظرة على المربع لنعرف إذا ما كان بداخله قطر أو غير ذلك. حياة تبدو سهلة ومريحة ولا تو جد بها قيود البعد الثاني أو الأول!!

فهمتَ الآن معاناة إخواننا (المفترضين!) في البعد الأحادي والثنائي .. فبعض المفاهيم التى تبدو لنا بديهية (كفوق وتحت) هي عندهم لا وجود لها ولا معنى لها وسيجدون صعوبة في تخيلها بل ربما لن يتمكنوا من ذلك كما هو حالنا نحن الثلاثيون مع الرباعيين فليس بإمكان عقولنا - ونحن في البعد الثالث - تخيل بعد رباعي !!

ولذا يجد الملحدون صعوبة كبيرة في الإيمان بوجود عوالم أخرى كعالم الجن والملائكة !

لا يستطيعون استيعاب فكرة أن كائناً ما لديه القدرة على الظهور في بعد أدنى من البعد الذي هو فيه بحيث يستطيع أهل البعد الجديد رؤيته .. ومن ثم يختفي عن أنظار أهل ذلك البعد بحيث لا يستطيعون الإمساك به أو العثور عليه !!

الحقيقة أن الكائن ثلاثي البعد الذي صعد إلى الأعلى لينظر إلى ما بداخل المربع لم يختفي من العالم .. بل كان يرى من هم دونه من حيث لا يرونه ! .. ونفس الشيء ينطبق على أهل البعد الرابع .. هكذا بكل بساطة.

فلنتخطى الآن كل ما ذكرناه أعلاه .. سنصل إلى حياة بأربعة أبعاد .. لا يمكن أن نحدد وسطاً كهذا باللغة العادية ولا يمكن أن نرسمه!

إذا كنا نعيش باستمرار في مكان ذو بعد رباعي فلن يكون هناك معنى للسجون! .. سنتمكن من الخروج من الأماكن المغلقة عبر البعد الرابع تماماً كما تمكن حبيس الدائرة من القفز فوق المستقيم عبر البعد الثالث! والأعجب من ذلك سنتمكن من مشاهدة دواخل الأشياء .. يمكنك أن تشاهد اللقمة وهي تنزلق في جوف زميلك!! كما تمكنا من مشاهدة قطر المربع وذو البعد الثنائي ونحن موجودين في بعد ثالث.

والكثير من الخوارق التي تبدو غير ممكنة!


كلام جانبي:

قد تجد في الطبيعة مواداً ذات نزعة "ثنائية البعد" و مواداً أخرى "ثلاثية البعد" أي تريد أن تكون ثلاثية أو ثنائية البعد .. للتوضيح جرّب أن تدلق كأساً من الماء فوق الأرض .. حسناً .. ماذا ترى ؟؟ ..الماء ينساح يميناً وشمالاً أماماً وخلفاً وفي كل الاتجاهات على سطح الأرض أي على سطح المستو .. لاحظ أن الماء لا يريد أن يذهب إلى أعلى حيث البعد الثالث .. بل يظل يمطمط نفسه حتى يصبح سمكه "بعده الثالث" أقل ما يمكن .. ماذا نسمي هذا السلوك "الرجعي المشين" ؟؟ إنه سلوك ثنائي البعد.

ولتوضيح الأمر أكثر تعال إلى زجاجة مملوءة بالغاز ..افتحها .. ماذا تجد ؟؟ .. بكل فخر ينطلق الغاز مالئاً الفراغ .. أي الأبعاد الثلاثة ... (سلوك حضاري يتناسب مع بيئة ثلاثية البعد!).

***

هامش:

الأرزيز هو التلفزيون حسب مجمع اللغة العربية !!

Saturday, September 10, 2005

الأعجوبة الثامنة

في سنة 1876 م كان العالم الإسلامي قد وصل إلى نقطة النهاية بعد أن تمكن العلمانيون من الدولة العثمانية و تم إعلان الدستور الكفري بعد مؤامرات و دسائس قادها مدحت باشا الملقب بأبي الدستور و كانت السلطنة تنتظر الضربة القاضية التي تأخرت و أطالت في عمر الدولة و قد جاءت في العام التالي .

كانت هذه الضربة هي حرب سنة 1877 م الشهيرة التي راح ضحيتها قرابة الـ 100 ألف جندي من جنود الدولة العثمانية نصفهم من العرب أهريقت دمائهم على سفوح جبال القوقاز و على ضفاف نهر الدانوب و خاصة في معركة بلافنا الشهيرة التي أبيدت فيها فرقتان كاملتان من العرب الذين أستبسلوا في القتال ضد جيوش الأرثوذكس التي تقودها روسيا دفاعاً عن أراضي المسلمين في البلقان .

كانت الدولة العثمانية آنذاك تعاني الأمرين من جراء ملايين الجنود الذين أستشهدوا في الحروب الضارية التي خاضتها منذ 200 سنة مضت و كانت كلها حروب خاسرة و كانت الدولة العثمانية تمثل آخر القلاع الإسلامية بعدما طال عمرها و عانت من الضربات الخارجية و الدسائس الداخلية و لعل أصدق موقف يدل على ذلك هو موقف السلطان عبد العزيز أثناء زيارته لـ ( نابليون الثالث ) في باريس حين سأله الإمبراطور الفرنسي عمن تكون أقوى دولة في العالم ؟ فرد عليه السلطان عبد العزيز على الفور : إنها الدولة العثمانية و لما طلب منه الإمبراطور الدليل على ذلك قال له السلطان : لأنكم أنتم الأجانب تعملون على هدمها من الخارج أما نحن العثمانيين فنعمل على هدمها من الداخل و مع ذلك فهي مازالت صامدة قائمة حتى الآن ...ألا يدل ذلك على قوتها و عظمتها ؟!!

و عندما تولى السلطان عبد الحميد رحمه الله السلطنة عام 1876 م و حاول قتل جرثومة العلمانية و الماسونية و القومية كان الوقت قد فات و كان سرطان التغريب قد أستفحل أمره في أهم إقليمين في الدولة , تركيا و مصر .

في مذكرات السلطان عبد الحميد وردت فقرات بالغة الأهمية عن الحركات العلمانية و القومية و الماسونية و مدى تمكنها من جسم الدولة المريضة نورد أهمها :

ـ فقرة تخص مدحت باشا الذي يمجده العلمانيون:

" .... ولم اكن اتصور انه عميل للانجليز ، والا لما كانت استدعيته واعينه والياً على سوريا ثم ارسلته بعد ذلك الى ازمير .

لم استطع ان افهم كيف سادت رغبة اسقاطي من فوق عرشي ، وتنصيب اخي مراد مرة اخرى ، هل لان اخي السلطان مراد كان مثله ماسونياً ، أم لان التفكير افضى به الى انه من السهل عليه ان يضغط على أخي مراد ويجعله ينفذ كل شيء ، حتى الان لا استطيع تقدير هذا .

لا بد للتاريخ يوماً ان يفصح عن ماهية الذين سموا انفسهم ( الاتراك الشبان ) ، او ( تركيا الفتاة ) وعن ماسونيتهم ، استطعت ان اعرف من تحقيقاتي ان كلهم تقريباً من الماسون وانهم منتسبون الى المحفل الماسوني الانجليزي ، وكانوا يتلقون معونة مادية من هذا المحفل ، ولابد للتاريخ ان يفصح عن هذه المعونات وهل كانت معونات انسانية أم سياسية . "



ـ في فقرة أخرى من رسالته إلى الشيخ محمود أبو الشامات :

" ان هؤلاء الاتحاديين قد اصروا علي بان اصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الارض المقدسة " فلسطين " ورغم اصرارهم فلم اقبل بصورة قطعية هذا التكليف " .



ـ و يقول في أهم فقرة في مذكراته فاضحاً رجال صورهم علمانيونا و شيوخنا بصورة المصلحين :

" وقعت في يدي خطة اعدها في وزارة الخارجية الانجليزية كل من مهرج اسمه جمال الدين الافغاني وانجليزي يدعي بلند ، قالا فيها باقصاء الخلافة عن الاتراك ، واقترحا على الانجليزي اعلان الشريف حسين امير مكة خليفة على المسلمين .

كنت اعرف جمال الدين الافغاني عن قرب ، كان في مصر ، وكان رجلاً خطراً اقترح علي ذات مرة ـ وهو يدعي المهدية ـ ان يثير جميع مسلمي آسيا الوسطى ، وكنت اعرف انه غير قادر على هذا ، وكان رجل الانجليز ، ومن المحتمل جداً ان يكون الانجليز قد اعدوا هذا الرجل لإختباري ، رفضت فوراً ، فاتحد مع بلند .

استدعيته الى استانبول عن طريق ابي الهدى الصيادي الحلبي ، الذي كان يلقي الاحترام في كل البلاد العربية ، قام بالتوسط في هذا كل من منيف باشا ، حلمي الافغاني القديم ، وعبد الحق حامد ، جاء الى استانبول ولم اسمح له مرة اخرى بالخروج منها "

هكذا كانت مؤامرة الغرب تجري ضد المسلمين , كانت تلك الفترة من أشد فترات التاريخ سوداوية , فعجلة المؤامرة كانت تدور بعنف و كان تيار التغريب الجارف يكتسح العقول بقوة و كانت الدمي التي تحركها الأصابع الخفية تلعب دورها المنوط بها لهدم ما تبقى من كيان مهترئ للخلافة و بالإضافة لهؤلاء كانت قوافل الجواسيس الأوروبيين تطوف في جميع أركان العالم الإسلامي طوال القرن 19 تمهد الطريق لحملات الإستعمار الحديث و لعل أبرز هؤلاء الجواسيس كان المجري أرمينيوس فامبيري .

كان أرمينيوس فامبيري من أشد الجواسيس دهاء ومكرا و قد هاجر إلى القسطنطينية دار الخلافة و هو في العشرين من عمره حيث عمل مدرسا هناك و تعلم عشرين لغة من لغات الشرق و كان معنيا بشكل خاص باللغات التركية و التترية مما دعاه الأمر إلى أن يزور بلاد تركستان فذهب إلى طهران حيث قضى ثمانية أشهر في السفارة التركية حتى قدر له أن ينضم إلى قافلة حجيج تركستانية كانت عائدة من مكة العظمى حفظها الله و قد أدهش الحجاج بشدة تقواه و إلمامه بقواعد الإسلام !!!

كان هذا الجاسوس القذر المنافق يظهر الإسلام و يبطن الكفر المحض مثل حكامنا المرتدين في هذا الزمان .. و من طهران خرج المنافق معتما بعمامة درويش و متخذا إسم رشيد أفندي فأنطلق مع قافلة الحجيج في رحلة مثيرة إلى كاراتيب على بحر قزوين . ثم أجتاز البحر معهم في قارب صغير نحو مستوطنة تركمانية تدعى " جومش – تيب " .

من هنا تقدمت القافلة إلى أتريك عبر المراعي و المستنقعات التي تحيط ببحر قزوين و أنضمت إلى قافلة أخرى من تجار الأبل كان قائدها منذ اللحظة الأولى يبدي شكوكه في أمر فامبيري و زيه الصوفي … دخلت القافلة منطقة الرمال السوداء و بدأت رحلتها عبر قره قورم إلى خيوه مسترشدة بالشمس نهارا و بالنجم القطبي ليلا و قد عانى فامبيري عذابا قاسيا بسبب قلة الماء و القيظ الهائل (وياليته هلك ليريح المسلمين من شره ) و كاد أن يعدم بتهمة التجسس و لكن يبدو أن نفاقه قد أنقذه من موت محقق .

أخيرا وصلت القافلة إلى سلسلة البلقان الصغرى . فدخلوا عبر إمتدادها الشرقي . ..صحراء واسعة أشد هولا من سابقتها . و في الجزء التالى كانت الرحلة قد وصلت إلى إقليم ماوراء النهر و مرت في بلاد يكثر فيها قطاع الطرق و تعرضوا لعطش عظيم و تم إنقاذهم على يد مجموعة من الرعاة .

بعد ذلك وصلوا إلى أراضي بخارى الخضراء و منها إلى سمرقند …. ثم أنفصل فامبيري عن القافلة متجها نحو أفغانستان بأمر فيما يبدو من الحكومة البريطانية و سار إلى هرات واثقا من قدرة زيه الصوفي على حمايته من كل مكروه . و قد عاش تجربته الأولى فورا في بلاط ملك أفغانستان الذي لم يتجاوز السادسة عشر من عمره ... عندما نهض الملك من كرسيه و أشار إليه بإصبعه قائلا :

" أقسم بالله إنك إنجليزي !!!" وأجابه المنافق بدون أن يطرف له جفن قائلا :

" وقع القضاء يا مولاي !! أنت تعرف الحديث القائل بأن من كفر مؤمنا – و لو مزاحا – حشره الله مع الكفار ..أعطني يا مولاي شيئا لله كي أتمكن من إتمام سيري و دعني أسبغ عليك البركات "

و في نوفمبر 1863 م عاد الجاسوس المنافق إلى طهران حيث سلم المعلومات إلى السفير البريطاني هناك ثم غادر المنطقة إلى القسطنطينية و بودابست . ( أطلس الرحلات )

ثم أصبح هذا الكافر و معه ديفيدز و كاهون من رواد الحركة القومية الطورانية التي دمرت الدولة العثمانية و أنهت وجودها , و لقد كانت أفكار القومية في بادئ الأمر غريبة كل الغرابة بين مسلمي الأناضول حتى أن روم الأناضول عندما يتم سؤالهم عن قوميتهم أو جنسيتهم كان يقول أحدهم أنه مسلم و لا يعرف غير هذه الكلمة .

هكذا تم تصنيع رموز مزيفة لكي تصبح قدوة الأمة التى هزمت في ميدان المعركة فكرياً و عسكرياً , الأفغاني و محمد عبده و سعد زغلول و هدى شعراوي و غيرهم كثير من رواد ما تسمى بالنهضة و ماكانت سوى نكسة دفعنا ثمنها غالياً , و لعل من أشهر الأدلة على قيام مثقفينا بتزوير التاريخ هي حكاية ميدان التحرير في مصر و سبب تسميته بذلك , فلن يجرؤ أحدهم على ذكر القصة الحقيقية لهذه التسمية , فهل سيقولون أن هدى شعراوي قد نزعت حجابها هناك و داسته بأقدامها مع ثلة من أقرانها بمباركة زعيم الأمة !!!! سعد زغلول و منذ ذلك الوقت سمي بميدان التحرير .

أم سيقولون أن أول من نادى بالتعليم المختلط هو لطفي السيد و أيده في ذلك عميدهم طه حسين و فرضوا ذلك على الجامعات و قد كتب عنهم آنذاك مصطفى صادق الرافعي رحمه الله ( شيطان و شيطانة ) .

أو ليقل لنا مشائخ الوسطية عن تفسيرات الشيخ محمد عبده الشهيرة التي ذاعت و أنتشرت و محاولتهم التستر عليها و لعل أشهرها :

تأويل الملائكة بالقوى الطبيعية , تأويل الجن بالميكروب , و سجود الملائكة لآدم بتسخير قوى الطبيعة للإنسان و غيرها من القوارع حتى أن شيخ الأزهر آنذاك عليش رحمه الله قام بتكفيره .

أو قول كرومر الشهير : أنه مادام لبريطانيا العظمى نفوذ في مصر فإن الشيخ محمد عبده يكون هو المفتي حتى يموت .

و لنا أن نستنتج حقيقة هذا الشيخ الذي تفرضه بريطانيا بالقوة على مصر إن لم تكن متأكدة من دوره في المجتمع الإسلامي .

أما رموزنا الجديدة فيكفي أن نضرب مثالا واحد فقط :

و هو : نجيب محفوظ عملاق الأدب كما يوصف و ما هي حقيقة عقيدته و لتعلم أخي المؤمن أن هؤلاء المنافقين مهما أستتروا عنا فإن كتاباتهم تفضحهم أحيانا و سنأخذ أنموذجا من روايته ( حكايات حارتنا ـ التي تعتبر نسخة معدلة من أولاد حارتنا المصادرة ) .

في الحكاية رقم 73 : يصف الشخصية الرئيسية فيها ( مصطفى الدهشوري ) بأنه من القلة القليلة الراسخة في العلم في الحارة و يتطرق إلى محادثة جرت بين الأب و هذا الدهشوري :

" ....... فيحدثه أبي عن التلقين و حساب الملكين و مستقر الروح و شفاعة النجاة في الآخرة و عند ذلك يقول الدهشوري : اليك قصة الجسد البشري ساعة بساعة من الوفاة حتى يستحيل هيكلا عظمياً . ...الخ "

حتى يصل الحديث إلى القمة عندما يسأله الأب : الا تؤمن بالله ؟

فيبتسم قائلاً : بلى لا حيلة لي في ذلك . و يستمر الحديث الطويل الخبيث حتى الصفحة 169 حيث يشرح الدهشوري فكرته في تلك الفقرة الطويلة المهمة التى من الممكن أن يرجع إليها القارئ في الرواية .و ليس هذا فقط بل إنه يرمز لله بشيخ التكية الذي رآه الراوي عندما كان طفلا ( تشبيه للعقل البشري في مراحله الأولى بحسب زعمه عندما كان بحاجة إلى قوى فوق طبيعية يستند إليها ) ليختفي بعدها الشيخ طوال الرواية حتى يصل في نهايتها إلى تشكيك القارئ نفسه في صحة وجود ذلك الشيخ مع نضج شخصية القصة الرئيسية .

و قد واصلت هذه النخبة طريقها نحو هدفها المرسوم لها , تهدم عقائد المسلمين و تزيف التاريخ علناً ووصلت هجمتهم إلى ذروتها في أزمة الوليمة عندما ظنوا أن الأمة ماتت فنشروا الكفر بواحاً , لكنهم فوجئوا بصوت صارخ في البرية يهتف بـ ( لا اله إلا الله : من يبايعني على الموت ؟ ) تسبب بثورة ضخمة لم تكن في حسبانهم أسفرت عن نصر مبين للتيار الإسلامي رغم إغلاق جريدة الشعب و سحق عظام طلبة الأزهر الذين أستبيحت حرمتهم داخل جامعتهم .

لقد تعرض العالم الإسلامي لحملات إبادة ضخمة عبر التاريخ بدأت في القرن السادس عشر عندما أنفتحت للأوروبيون ثغرتان كانتا السبب الرئيسي في سيطرتهم المخيفة على العالم في هذا العصر .

الثغرة الأولى : و هي الكشوف العلمية التى بدأت عجلتها تدار سريعاً إبتداءاً من القرن 18 م , و التي أعطت للأوربيين أسلحة فتاكة مكنتهم من هزيمة أعدائهم بشئ من السهولة , لقد كانت أشبه بالنار التى أعطاها بروميثيوس للبشر في الأساطير الوثنية اليونانية , بل إن هذه الكشوف العلمية جرأت الأوربيين أكثر حتى أعتنقوا مبدأ بروميثيوس رسمياً و صرحوا بنفس مقولته الشهيرة ( إنني أكره جميع الألهة !!! ) .

الثغرة الثانية المهمة و هي التي أنجبت الأولى : هي ثغرة المحيط التى أقتحمها رواد الكشوف الجغرافية الأوائل و التى مكنت الأوروبيون من الإستيلاء على قارات بكر بأسلحتهم الفتاكة التى طورها الصراع الرهيب بين مسلمي الأندلس و الدول النصرانية في حوض البحر الأبيض المتوسط , و بين عامي 1492 م – 1770 م تمت إبادة شعوب قارات بأكملها و تم تدمير خط التجارة الإسلامي الرئيسي في المحيط الهندي بواسطة البرتغاليين الذين أستعملوا سلاحاً لم يره مسلمو تلك المناطق من قبل ( المدفع ) و بواسطته دمرت كافة موانئ شرق إفريقيا المسلمة فيما تكفلت قوافل المهاجرين من إنجلترا و ايرلندا بإبادة شعوب أمريكا الشمالية و لولا ظهور مدافع العثمانيين في عدن لتمت إبادتنا .

هكذا بنى الأوروبيون حضارتهم من موارد طبيعية لا تنضب في نصف العالم الجديد , هكذا أستقروا هناك بعيدا خلف بحر الظلمات ليبنوا على مهلهم حضارة عتيدة تنظر إلى العالم بإزدراء و إلى العدو الإسلامي التقليدي بسخرية .

و هكذا بدأت حملات الإبادة بداية من سقوط غرناطة ثم إبادة المسلمين في الأندلس طوال 150 سنة تقريبا قتل فيها قرابة 25 مليون مسلم ثم تدمير مدن شرق إفريقيا الثرية التي وصف ابن بطوطه سكانها بضخام الأجساد في القرن 14 م ( و كم ستنتابه الصدمة الآن ـ لو بعث من قبره ـ من حال الصومال مثلا ) و بعدها بغزو جزر إندونيسيا و الملايو و نهايةً بحروب العثمانيين في البلقان و هي حروب لا تحصي و لا تعد قتل فيها ملايين المسلمين من الجنود و المدنيين و يكفى أنه في كل حرب كان القتلى من المسلمين في الحد الأدنى يقدر بـ 200 ألف بين جندي و مدني و إنى أقسم أنه لولا نسبة الولادة المرتفعة في العالم الإسلامي لما أستطاعت الدولة العثمانية الصمود طوال 200 سنة فلقد كانت تهزم في كل حرب تخوضها .

و لعل هذا هو ما لفت إنتباه الكاتب صمويل هنتجتون في مقاله ( زمن حروب المسلمين ) و كم كان مصيبا في ذلك المقال رغم محاولة أحد المفكرين و هو فهمي هويدي الرد عليه و لكن شتان بين الثرى و الثريا فالأوروبيون ما وصلوا إلى كل هذا التقدم و القوة إلا بعمق دراساتهم و جديتها و عدم لي عنق الحقائق كما يفعل جل المفكرون عندنا المصابون بعقدة الإستخذاء و الهزيمة أمام الغرب حتى أن أحد أبرز رموز الإسلام في الولايات المتحدة أنكر في مواجهة معه في القنوات الأمريكية بعد أحداث سبتمبر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد تزوج بالسيدة عائشة و عمرها 9 سنوات !!!

إن المسئلة تكمن في هزيمة معظم مفكرينا و مشائخنا الآن نفسياً أمام الغرب فكانت مرحلة الدفاع قبل سبتمبر ثم جاءت مرحلة أخرى و هي مرحلة التنازلات بعد سبتمبر و قد أفتتحها رسمياً الشيخ القرضاوي و هويدي و العوا بتوقيعهم على الفتوى الشهيرة التي تبيح للمنتسبين للإسلام في الجيش الأمريكي قتل المسلمين في أفغانستان , ثم مرحلة إدانة غزوتي سبتمبر و تجريم الشيخ أسامة بن لادن رضي الله عنه و شهداء الغزوة , بل وصلت إلى إنكار بعض أحداث تاريخ الإسلام الأولى كما فعل الشيخ القرضاوي في برنامج الشريعة و الحياة أثر مداخلة لأحد نصارى العرب قام فيه بالتهجم على سيف لله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه ووصفه بالمجرم و سفاك الدماء ( مستشهداً في ذلك بمعركة أليس التي حدثت في العراق ) .

و إذا أستمر الأمر على ما هو عليه سنصل إلى المرحلة التى تلغي فيها آيات الجهاد و القتال من القرآن و سيتم تجريم الفتوحات الإسلامية بأعتبارها مرحلة أستعمار إسلامي , بل سيتم تجريم النبي صلى الله عليه و سلم عندما ذبح يهود بني قريظة منفذاً أمر الله من فوق سابع سماء .

إلى أين تقودوننا يا مشائخ الوسطية ؟!!! و أنتم أيها المفكرون المعتدلون ؟؟

هل تظنون حقاً أنكم في نظر الغرب معتدلون !!؟؟

كلاااااااا , بل أنتم إرهابيون حتى و أنتم تقودون الأمة نحو المقصلة !! لن يرضوا عنكم حتى تكفروا مثلهم و تنبذوا كل الإسلام !!

أنتم الآن طلائع الإسلام الأمريكي و أنتم الذين تنفذون مخططاتهم دون أن تشعروا , التنازل تلو التنازل !! و الأمة تباد و تذبح .

أين كنتم عندما بدأت مذابح البوسنة ؟!! كتابة المقالات لا تكفي يا سادتي الكرام و لا إصدار الكتب و لا تزيين الكلام .. ذبح ربع مليون مسلم في 3 سنوات على مرأي و مسمع منكم فمن كلف نفسه للذهاب إلى هناك ؟ لا أحد .

لم يذهب للقتال سوى الإرهابيون المطاردون الآن !! هؤلاء الذين تشنعون عليهم و تصمونهم بأحط الصفات مثل المتطرفون و الخوارج و المتهورون .

لماذا تخاطبون بوش و بلير و البابا بولس باللين و اللطف فإذا كان المخاطب هو الشيخ بن لادن أنقلبت ألسنتكم و أقلامكم إلى خناجر مسمومة .

لننظر إلى أحدهم و هو د . مصطفى محمود في مقالته ( دعوة إلى الحوار ) في جريدة الأهرام و المؤرخة ( 26 – أكتوبر – 2002 م ) و كيف كان رقيقاً و هو يخاطب بوش , بل و ذيل الرسالة بالعبارة التالية (مع كل تمنيات مواطن مصري يكن لأمريكا كل الحب والإعزاز أخوكم‏..‏ مصطفي محمود ) أنظروا ياأهل العقل و الإسلام !! الحب و الإعتزاز للمجرمين الذين قتلوا في 25 سنة قرابة 10 مليون مسلم !!! و عندما يتحدث عن بن لادن فينقلب على العكس تماما فهو المغامر و بن لادن و عصابته و يمتلئ المقال بالنظرة الفوقية المزدرية لهؤلاء الحفاة العراة الذين يختبئون في الكهوف في جبال الهندوكش !!

و قد قرأنا كلنا كتاب ( طالبان : جند الله في المعركة الغلط !! ) لهويدي و رأينا نظرته الفوقية للطالبان و إزدرائه لهم و قد أراد أن يؤثر علينا لننبذ نحن أيضاً طالبان و لكني أقول له أن العكس هو الذي حدث فو الذي نفسي بيده لقد رأيت كل من قرأ الكتاب يتحسر على هؤلاء البسطاء المخلصين الذين لا يتميز فيهم الوزير عن الفراش و العامل البسيط .

و قرأنا رسالة الشيخ سفر الحوالى إلى بوش و رأينا ما تحويه من مهانة لا يليق بمسلم أن يتعامل بها مع الكفار و نسي قول الله أن هؤلاء الكفار لا يزالون يقاتلوننا حتى يردونا عن ديننا إن أستطاعوا .

و رأينا رسالة المثقفين الأمريكيين ( على أي أساس نقاتل ؟ ) فماذا قال مثقفونا السعوديون !!! ( على أي أساس نتعايش ؟ ) أنظروا إلى كم الذل و المهانة و قد أحسن الشيخ ناصر بن حمد الفهد في الرد عليهم في كتابه القيم ( التنكيل بما في بيان المثقفين من أباطيل ) .

ما الذي يحدث بالضبط ؟!!

أبلغ منا الغباء هذا المبلغ ؟

أم أن أرواح هؤلاء المتخاذلين قد وقعت تحت نير الإستعباد .

إستعباد من نوع جديد !!! فيه تدافع الضحية عن قاتلها , تدافع عن مغتصبها و تتمنى له كل الحب و الإزدهار ليستمر في إنتهاك جسدها أكثر و أكثر .

كيف أنقلبت الموازين بهذا الشكل المريع ؟

كيف أصبح الأمين خائناً ؟

كيف أصبح السارق شريفا ؟

كيف يصبح المرء مؤمناً و يمسي كافراً بنفس سرعة صعود و هبوط بورصة الأوراق المالية ؟

كيف يصبح أحمد الحزنوي الغامدي مجرماً ؟

و يصبح بوش أخاً و صديقاً ؟

بلا ريب إنها من عجائب الدنيا التى لا تظهر إلا في أرض العجائب السبع الغابرة !!

نحن فقط من نأتى بكل جديد .

نحن من شيدنا حدائق بابل المعلقة و أهرامات الجيزة و إيوان كسري و مدن فينيقيا و حضارة أطلنتس في كريت .

و نحن من سنصنع الأعجوبة الثامنة التى ستبز كل أعجوبة أخرى .

أعجوبة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ...

نحن من سنهدم ديننا حجراً حجراً

نحن من سيهدم الإسلام .


منصور حلب